
حصان طروادة الرقمي: كيف ساهم تطبيق وهمي بإسقاط جيش الأسد؟
لم يكن انهيار نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 نتيجة معركة كبرى أو ضربة جوية حاسمة، بل كان تتويجًا لهجوم غير مرئي، خُطط له بدقة ونُفذ بهدوء. وبينما ركّزت التغطيات الإعلامية على الانتصار العسكري للمعارضة، تُخفي تفاصيل القصة ما هو أخطر: حرب إلكترونية استهدفت عصب قوات الاسد من الداخل، عبر تطبيق جوّال صغير يحمل اسمًا بريئًا.
فشل الجيش السوري في صدّ هجوم “متواضع” على مدينة حلب، والذي أدّى في النهاية إلى سقوط المدينة، وبدأت معه نهاية نظام بشار الأسد. ورغم أن المعارضة استخدمت طائرات مسيّرة وأظهرت تنظيمًا جيدًا، فإنّ سرعة انهيار خطوط الدفاع السورية كانت صادمة، حتى للمراقبين المقرّبين من النظام.
بحلول صيف 2024، كانت قوات الأسد قد استعادت معظم الأراضي، وسيطرت على أكثر من ثلثي البلاد. فلماذا انهار كل شيء فجأة؟ الجواب، كما كشفه ضابط سوري رفيع المستوى في مقابلة مع مجلة نيولاينز الأمريكية، قد يكمن في تطبيق جوّال بسيط.
STFD-686: السلاح الخفي
في أوائل صيف 2024، بدأ تطبيق جوّال يُدعى STFD-686 بالانتشار سرًا بين ضباط قوات الاسد عبر قناة تيليغرام. كان التطبيق يُروَّج له على أنه تابع لـ”الأمانة السورية للتنمية”، وهي منظمة يشرف عليها اسمياً زوجة الرئيس المخلوع، أسماء الأسد. وبما أن اسم المؤسسة معروف ويحمل طابعاً إنسانياً، لم يُثر التطبيق أي شكوك.
طلب التطبيق من المستخدمين ملء استبيان بسيط يتضمن بياناتهم الشخصية ووضعهم المالي، مقابل وعد بتحويل مبلغ شهري يعادل 400 ألف ليرة سورية. بدا العرض مغريًا جدًا لضباط يتقاضون رواتب بالكاد تكفيهم.
لكن التطبيق كان فخًا إلكترونيًا بامتياز. وبمجرد تثبيته، بدأ بجمع بيانات دقيقة عن الهواتف ومواقعها ومحتوياتها، بل وأحيانًا التحكم بها عن بعد.
ضربة ذكية: عندما يصبح الهاتف نقطة ضعف قاتلة
الهجوم لم يكن الأول من نوعه. في فبراير/شباط 2020، كشفت حادثة استهداف نظام دفاع جوي روسي الصنع (بانتسير-S1) بواسطة القوات الإسرائيلية، عن مدى هشاشة قوات الأسد في التعامل مع التكنولوجيا. كان السبب ببساطة: هاتف محمول نسيه جندي داخل المركبة، حوّله إلى منارة قادت الطائرات الإسرائيلية مباشرة إلى الهدف.
رغم التحذيرات، لم تُتخذ إجراءات جدية لاحقًا. ومع انتشار تطبيق STFD-686، كرّر الجيش نفس الخطأ، لكن هذه المرة على نطاق أوسع وأكثر تدميرًا.
مع انهيار الليرة السورية إلى أكثر من 15 ألف للدولار، أصبح راتب الضابط السوري التابع للأسد لا يتجاوز 20 دولارًا شهريًا. فقد الجيش دافعه القتالي، وانشغل أفراده بالبحث عن بدائل للعيش. بعض الضباط أصبحوا يبيعون الطعام الفاسد لجنودهم، أو يؤجّرون ألواح الطاقة الشمسية مقابل المال.
كان الجنود مستعدين لتصديق أي مبادرة تعدهم بزيادة بسيطة في الدخل، وهنا لعب التطبيق على وتر الحاجة والفقر، مستغلًا الوضع الاقتصادي الكارثي والنفسية المنهكة للمقاتلين.
في قلب الظلام: من وراء العملية؟
حتى الآن، لا يوجد تأكيد رسمي حول الجهة التي تقف وراء الهجوم الإلكتروني. بعض الفرضيات تشير إلى فصائل من المعارضة السورية تمتلك فرق أمن معلوماتية متقدمة، فيما لا تُستبعد فرضية مساعدة أجهزة استخبارات إقليمية أو دولية.
لكن ما هو مؤكد، أن تطبيق STFD-686 لم يكن مجرد وسيلة خداع، بل أداة هندسة اجتماعية متقدمة، وجزءًا من خطة ذكية لتفكيك الجيش السوري من الداخل، دون طلقة واحدة.
خاتمة:
في زمن الحروب الحديثة، لم تعد المعارك تُحسم فقط بالدبابات والطائرات، بل أحيانًا بتطبيق صغير يظهر على شاشة الهاتف. لقد قدّم سقوط النظام مثالًا نادرًا لحرب تُدار في الظل، وتُربح فيها المعارك عبر البيانات لا الرصاص. وربما، يكون STFD-686 أول سلاح إلكتروني يُغيّر وجه الشرق الأوسط.